
ثقافة ريادة الأعمال السورية ما بين الماضي والحاضر قبل الحرب وبعدها
1.png?width=64&height=64&name=Startupji%20(1)1.png)
هل تساءلت يوماً كيف تغيّرت نظرة السوريين إلى "بدء مشروع خاص"؟ من عالم الأسواق التقليدية والدكاكين العائلية إلى حلم الشركات الناشئة والمنصات الرقمية، شهدت الثقافة التجارية السورية تحولاً جذرياً لم يكن متوقعاً.
الجذور العميقة: عندما كان التجارة "حرفة الأجداد"
الأسس التقليدية للأعمال السورية
في سوريا ما قبل 2011، كانت فكرة "بدء مشروع خاص" مرتبطة بشكل أساسي بالتقاليد العائلية والشبكات الاجتماعية الراسخة 1. كانت العلاقات الشخصية تلعب دوراً محورياً في الثقافة التجارية السورية، حيث يفضل السوريون العمل مع من يعرفونهم، والثقة هي أساس الأعمال الجيدة 1. هذه الثقافة كانت متجذرة في مفهوم أن المصداقية في الأعمال ترتبط بالصفات الشخصية أكثر من القدرات المالية 2.
كانت الأسواق التقليدية مثل سوق الحميدية في دمشق تمثل نموذجاً حياً لهذه الثقافة، حيث يتخصص كل سوق في منتجات معينة - سوق البزورية للبهارات والحبوب، سوق الخياطين للأقمشة، سوق الذهب للمجوهرات 3. هذا التخصص العائلي كان يُورث من جيل إلى جيل، وكانت الشركات العائلية تشكل أكثر من 65% من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة 4.
الحقبة الذهبية: سوريا كمركز تجاري
تاريخياً، كانت سوريا مركزاً تجارياً هاماً بحكم موقعها الاستراتيجي على طرق التجارة القديمة، خاصة طريق الحرير 5. هذا الإرث التجاري العريق شكّل جزءاً من الهوية السورية، حيث كان التجار السوريون معروفين بمهارتهم في التفاوض وبناء الشبكات التجارية عبر المنطقة 6.
قبل الصراع، شهدت سوريا بوادر نمو في النظام البيئي لريادة الأعمال، حيث تأسست جمعية رواد الأعمال الشباب السوريين في 2001، تلاها إنشاء الوكالة السورية للاستثمار في 2007 78. هذه الخطوات كانت تشير إلى تحول تدريجي في النظرة نحو ريادة الأعمال كبديل عن البحث التقليدي عن وظيفة 8.
التحول الجذري: عندما غيّرت الأزمة قواعد اللعبة
من البقاء إلى الابتكار
الصراع الذي بدأ في 2011 لم يدمر الاقتصاد السوري فحسب، بل غيّر جذرياً من مفهوم ريادة الأعمال 9. ما كان في الماضي رفاهية أو خياراً ثانوياً، أصبح ضرورة للبقاء 10. انكمش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 54% بين 2010 و2021، وأصبح أكثر من 90% من السوريين يعيشون في فقر 711.
في هذا السياق القاسي، تطورت ثقافة جديدة حول "بدء المشاريع" - ثقافة مدفوعة بالضرورة والإبداع في نفس الوقت 9. لم تعد ريادة الأعمال مجرد طموح شخصي، بل أصبحت استراتيجية للتكيف مع الواقع الجديد 12.
الأرقام تتحدث: تحول في المنظور
أحد أبرز التحولات الثقافية يظهر في الإحصائيات المذهلة: نسبة السوريين الذين يعتبرون ريادة الأعمال "مهمة للغاية" ارتفعت من 26% في 2015 إلى 80.5% في 2024 913. هذا التغير الجذري في المنظور يعكس تحولاً عميقاً في الثقافة السورية حول مفهوم العمل والمبادرة الشخصية.
الواقع الجديد: ثقافة الشركات الناشئة في زمن التحديات
من الدكان إلى التطبيق
اليوم، يعمل أكثر من 200 شركة ناشئة داخل سوريا، رغم التحديات الهائلة 914. هذه الشركات تعكس تحولاً ثقافياً من النموذج التقليدي للتجارة إلى نماذج أعمال مبتكرة تعتمد على التكنولوجيا 14. شركات مثل Cashi في التكنولوجيا المالية، وQuizat في التعليم الإلكتروني، وTajir.Store في التجارة الإلكترونية، تمثل الوجه الجديد لريادة الأعمال السورية 1410.
تغيير في القيم والأولويات
الثقافة الجديدة لريادة الأعمال في سوريا تختلف جذرياً عن النموذج التقليدي 9. بينما كانت الأعمال في الماضي تدور حول الشبكات العائلية والمحلية، أصبحت اليوم تركز على حل المشاكل المجتمعية والوصول إلى أسواق أوسع 9. المقاييس الجديدة للنجاح لم تعد مجرد الربح المادي، بل تشمل الأثر الاجتماعي والمساهمة في إعادة البناء 15.
دور المرأة: تحول مجتمعي
من أبرز التحولات الثقافية هو الدور المتزايد للمرأة في ريادة الأعمال، حيث تشكل النساء 35% من النظام البيئي لريادة الأعمال 15. هذا التغيير يعكس تحولاً اجتماعياً أعمق في النظرة إلى دور المرأة في الاقتصاد والمجتمع 15.
التحديات الثقافية: بين التقليد والحداثة
صراع الأجيال
الثقافة الجديدة لريادة الأعمال تواجه تحديات من الثقافة التقليدية 16. الجيل الأكبر سناً، الذي نشأ في بيئة تقدر الوظائف الحكومية والأمان المهني، يجد صعوبة أحياناً في فهم المخاطرة المحسوبة التي تتطلبها ريادة الأعمال 17. بينما الجيل الشاب، الذي واجه واقعاً اقتصادياً قاسياً، أكثر استعداداً لتقبل فكرة "المخاطرة من أجل الفرصة" 9.
التحديات البنيوية
رغم التحول في المنظور، تواجه ثقافة ريادة الأعمال الجديدة تحديات بنيوية 7. محدودية الوصول إلى رأس المال، وضعف البنية التحتية، والعقبات التنظيمية، كلها عوامل تؤثر على انتشار هذه الثقافة 97.
الآفاق المستقبلية: نحو ثقافة ريادية متكاملة
بناء النظام البيئي
الجهود الحالية تركز على بناء نظام بيئي متكامل لريادة الأعمال 18. مبادرات مثل "هاكاثون سوريا" التي جذبت أكثر من 5000 مشارك في أسبوعين، تعكس الشغف الحقيقي لتطوير هذه الثقافة 1913. هذه الفعاليات لا تخلق فرصاً للابتكار فحسب، بل تساهم في تشكيل ثقافة جديدة حول التعاون والمبادرة 19.
دور الشتات
الشتات السوري يلعب دوراً محورياً في نقل ثقافة ريادة الأعمال الحديثة 13. رواد الأعمال السوريون في ألمانيا وتركيا وكندا وغيرها من الدول، يساهمون في نقل الخبرات والمعرفة إلى الداخل السوري 1320. هذا التبادل الثقافي يسرّع من تطور الثقافة الريادية المحلية 18.
خلاصة: رحلة التحول مستمرة
الثقافة السورية حول "بدء المشاريع" شهدت تحولاً جذرياً خلال العقد الماضي 9. من ثقافة تقليدية تعتمد على الشبكات العائلية والأعمال الموروثة، إلى ثقافة حديثة تركز على الابتكار وحل المشاكل 9. هذا التحول ليس مجرد تغيير في أساليب العمل، بل هو تطور في النظرة الحياتية والقيم المجتمعية 15.
رغم التحديات الهائلة، تحمل هذه الثقافة الجديدة أملاً كبيراً لمستقبل سوريا 9. فريادة الأعمال لم تعد مجرد وسيلة لكسب العيش، بل أصبحت أداة لإعادة البناء والتعافي 13. وكما يقول أحد الخبراء: "ريادة الأعمال ليست انتظاراً للتعافي، ريادة الأعمال هي التعافي بحد ذاته" 9.